المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشاكل البطالة تتفاعل: .. بائعة «بسطة» سعودية بشهادة ماجستير!


ابن المنتزهات
20-12-2010, 09:06
مشاكل البطالة تتفاعل: .. بائعة «بسطة» سعودية بشهادة ماجستير!

http://www.daoo.org/newsm/27058.jpg



دعاء بهاء الدين - جدة، «تصوير: حياة حفنة»-رؤى(ضوء): هل تحترف شعوبنا وأد الأمل والطموح، وقتل الأحلام؟؛ سؤال تردد بداخلي طويلا، وأنا أعيش تفاصيل معاناة شابة سعودية كانت طوال سنوات دراستها عنوانا للتميز والطموح والتفوق، فحازت العديد من الشهادات التي تؤكد قدرات المرأة السعودية على التميز في شتى المجالات، لكن ما فائدة هذه الشهادات إذا كان مصير صاحبتها الظلم والعسف، وانتهى بها المطاف بائعة على إحدى البسطات؟ أسئلة مؤلمة وواقع أكثر إيلاما لفتاة يناقض حالها اسمها.. تعالوا نتعرف إلى بعض ملامح هذه المعاناة، وما خفي كان أعظم:

في وقت تشير آخر تقارير مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن 78 في المائة من خريجات الجامعة عاطلات عن العمل، تأتي قصة الشابة السعودية (بشرى) التي نتعرض لها -على الرغم من غرابتها وقسوتها- لتكشف واقعا معيبا تواجهه المرأة في صمت، واقعا مؤلما عشنا جزءا منه مع رحلة بحثها عن الذات التي تحطمت على صخرة مظاهر اجتماعية غريبة على مجتمعنا المحافظ.

قاتلة أحلامي
بمزيد من الألم، راحت (بشرى) تروي معاناتها وهي تحمل شهاداتها الجامعية، محاولة إخفاء دمعة هربت عنوة من عينيها، وقالت وهي تصحبني معها في حرارة الشمس الحارقة إلى المكان الذي تفترش فيه بسطتها: لم يحمل لي اسمي سوى اليأس والحيرة، عمري 25 عاما، تخرجت في كلية التربية (اقتصاد منزلي) قسم ملابس ونسيج، أحلامي تعانق السماء، أدرس حاليا ماجستير تخصص (إدارة مشروعات) مع إيقاف التنفيذ، أجيد اللغة الإنجليزية، أحلم بدراسة الفرنسية، حصلت على دبلوم حاسب آلي أثناء دراستي في الجامعة كي أصبح مؤهلة لسوق العمل، لكن هيهات!
تصمت قليلا وهي تنظر بأسى إلى المجهول، ثم واصلت قائلة: قدمت أوراقي إلى ديوان الخدمة المدنية لكن لم يتم قبولي، بنات كثيرات عانين المأساة نفسها، باستثناء من لديهن واسطة، فقد اتصلت بي إحدى الزميلات لتخبرني بأنها تم تعيينها في مدرسة قريبة من منزلها، وحينما سألتها مندهشة عن كيفية حدوث ذلك أجابتني أن عمها (الوزير) تدخل في الموضوع!!


http://www.daoo.org/infimages/myuppic/4d0e34d95d9ed.jpg
في محلها على الرصيف




تتناول (بشرى) كوبا من الماء تروي ظمأها، قبل أن تواصل في حسرة: كنت أتمنى بعد تخرجي مساعدة أمي في تكاليف المعيشة، لكن القدر يعاند أحلامي، قدمت أوراقي في ديوان الخدمة المدنية أكثر من مرة فكان الرد دائما: هل لديك واسطة؟! ودائما أيضا كانت إجابتي: «لا».
استأذنت قليلا لتجيب على أسئلة امرأة ظلت تتفحص بضاعتها ثم انطلقت دون أن تشتري شيئا، ضحكت بسخرية قائلة: هذا حالي معظم الأيام.

ليلة حمراء
تواصل حديثها المرير: قدمت سيرتي الذاتية لكل أماكن العمل، وكانت دائما توصد الأبواب أمامي، إلى أن عرض علي صاحب إحدى الشركات عملا مناسبا بشرط أن -توقفت عن حديثها برهة- وبعد إلحاح مني أوضحت: بشرط أن أقضي معه ليلة حمراء، بعدها أحصل على الوظيفة وفق شروطي والراتب الذي أحدده!!
صمتت لحظة لتبتلع مرارة كرامتها المهدرة ثم أضافت: أصابني الإحباط وأنا أجد أحلامي تنهار أمامي، ودعوت ربي أن يكتب لي الخير، كي لا أكون فريسة سائغة للذئاب البشرية. وبالفعل، بدأ الأمل يشرق في أيامي مجددا بتعييني إدارية في الجامعة اليمنية في جدة، لكن فرحتي لم تستمر طويلا بهذه الوظيفة، فقد تم الاستغناء عني لتوفير النفقات، فعدت مرة أخرى إلى دوامة البحث المزعجة، وبعد فترة عملت محاسبة في إحدى الأسواق التجارية براتب 2000 ريال، ثم ما لبث أن تم الاستغناء عني أيضا توفيرا لراتبي مع تفاقم الأزمة المالية.

أسرتي تعاني
وحول إقدامها على التخلي عن طموحاتها العلمية والعمل كبائعة على إحدى البسطات، قالت: تراكم علينا إيجار المنزل لمدة ستة أشهر، أصبحنا مهددين في كل لحظة بالطرد، وشعرت بالأسى وأنا أقف مكتوفة الأيدي، لا أملك مالا أو وظيفة أشارك بها زوجي محنته، فراودتني فكرة استئجار أحد الأماكن في سوق شعبية تقع بجانبنا، ورغم معارضة أهلي وزوجي فإني اقتنعت بالفكرة وبالفعل بدأت في تنفيذها، واجهت عقبات مادية فقررت الاستدانة من جيراني لأشتري بضائع وأستأجر بها.. وقد شعرت البائعات حولي أني مختلفة عنهن بما أتميز به من لباقة في الحديث وثقافة تتضح من خلال تعاملي معهن. وتخيلت أن تكون هذه البسطة طوق نجاة، إلا أنها زادت من ديوني وأحزاني، فأنا أترك منزلي منذ الرابعة عصرا وأعود إليه الحادية عشرة مساء، تاركة زوجي وابني الوحيد، الذي دائما ما يودعني بالدموع متوسلا وقائلا: «كوني معي يا أمي»، والذي تأثر نفسيا وأصبح يعاني من التبول اللاإرادي في عمر السنوات الخمس ، فماذا أفعل؟ زوجي راتبه لا يكفي حتى لدفع إيجار المنزل، وصاحبة هذه البسطة رفعت الإيجار حتى لم أعد أستطيع دفعه، وأخشى أن أطرد فتتبخر أحلامي في سداد ديوني ومساعدة زوجي.

أريد حقي
مع حلول الظلام صمت الحديث بيننا، عجزت كلماتي أن تقدم لها المواساة أو حتى التشجيع، وقبل أن أغادرها أمسكت بيدي قائلة لي: أريد حقي في الوظيفة في وطني، أريد ضمانا من صندوق الموارد البشرية.
لم أعرف بماذا أجيب عليها، غادرتها وسؤال لا يهدأ في ذهني عما يحمله الغد لها ولمن في مثل معاناتها؟ ولم يجد سؤالي جوابا أبدا.