المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصوت الخفيض


ابن المنتزهات
02-09-2010, 12:46
http://center.jeddahbikers.com/uploads/jb12833774831.jpg (http://pic.jeddahbikers.com/)


الصوت الخفيض

بدرية البشر
في أحد المتنزهات في ساندييغو، شاهدت طفلة تتحدث بحماسة وبصوت بالكاد يقال إنه مرتفع، لكن جدتها التي تجلس بجانبي قالت لها: تحدثي بصوت خفيض، ولم يكن السبب لأنها أنثى، بل لأن الصوت الخفيض من الآداب الرفيعة التي يتربى عليها الأطفال، وتقرها مناهج التعليم وتدريب الشباب اليافعين على الحياة.

حتى وأنت في منطقة وسط البلد المليئة بالمطاعم والحانات والملاهي الليلية لا تسمع صوتاً مرتفعاً، تستطيع أن تسمع صوت عجلات السيارة المطاطية وهي تمشي على الأسفلت ولا شيء آخر، لن تسمع صوت أبواق السيارات ولا صياح المراهقين ولا زعيق الأطفال، وتستطيع أن تتذكر كم الأصوات التي يمكن أن تسمعها في شوارع القاهرة وأنت في الدور الـ٣٧.


في بعض الأحيان ومن شدة هدوء بعض البشر الذين يمشون في الشوارع من دون صوت تود لو تمد يدك لتتحسس إن كانوا هؤلاء بشراً أم صوراً من البشر، في الحدائق تسمع السيدات يوجّهن أطفالهن أو كلابهن بكلمة واحدة فقط تكفي للقضاء على الشغب: كلمة واحدة هي: اجلس، تكفي ليجلس الطفل والكلب. كنت أظن في ما مضى أن مسلسلاتهم فيها بعض المبالغات، فهم يحلون مشكلة الطفل في مشهد، ومشكلة المراهق في حلقة من نصف ساعة، أما إذا أردت أن تعرف كيف تحل بعض الأمهات عندنا مشكلتها مع طفل يقفز على الكنبة، فستسمعها تقول: اجلس يا ولد، اجلس ووجع، اجلس ترى بأجيك أهبدك، اجلس جلست عليك الشياطين، وفي نهاية المشهد الأم والطفل يصرخان ولا أحد يجلس.

الصوت الخفيض هو دلالة التحضر، ومن الأدب أن تتحدث بهدوء، وأن تستمع بهدوء لما يقوله الطرف الآخر، ولا تقاطعه حتى ينتهي. لا أحد يقف على بعد ثلاثة أمتار من الآخر ويصيح: هيه يا محمد شف اللي وراك، أو عجل يا خوي، لا أحد يتحدث في الهاتف فتعرف منه اسم صديقه ومواعيده، أو وكالة السفريات التي ترتب له رحلته، ولن تجد أباً ينادي أولاده في بقالة على بعد حاجزين يخبرهم بأن وقت التنزه في البقالة انتهى.

هنا لدينا مفهوم إن أنكر الأصوات لصوت الحمير لأنها تنهق بعلو، لكننا نرى أن من يصدح بصوته في المجلس هو الشخصية المهمة، ومن يزعق في الميكرفونات هو الخطيب المفوه، والأب الذي يزعق في أبنائه هو الأب الحمش، ترى ماذا يقول هؤلاء لو جاءوا ومشوا في شوارعنا وسمعوا مراهقينا وهم يعلقون على الرائح والغادي؟ ماذا يقولون لو رأوا أن قاعدة خل العيال يلعبون هي نوع من الصراخ في الأماكن العامة وفي الفناء الخلفي للمنزل وحتى في الأعراس؟ ترى ماذا يقولون لو سمعوا أباً وهو يحث ابنه على الصلاة هو في بهو البيت ويصيح بأبنائه في الطابق العلوي؟ وماذا لو سمعوا الأم مع صغارها؟ ماذا لو سمعوا سيارات الهيئة وهي تصيح في الدكاكين الصلاة الصلاة؟ ماذا لو سمعوا «مبالغة» بعض المساجد في شهر رمضان في رفع مكبرات الصوت في صلاة التراويح وفي صلاة القيام في العشر الأواخر في الثالثة فجراً؟ وإذا سألونا عن هذا الصوت ماذا نقول لهم: إننا حتى ونحن نصلي وندعو الله لا نعرف الصوت الخفيض.