أحمد نصر صلاح

يُمثل سرطان الثدي تحدياً صحياً كبيراً، ويُشكل جانبه الوراثي محور اهتمام متزايد في المملكة العربية السعودية، بينما تُصيب غالبية حالات سرطان الثدي بشكل عشوائي، تُشير التقديرات إلى أن حوالي 5% إلى 10% من الحالات تُعزى إلى طفرات جينية موروثة.
فهم سرطان الثدي الوراثي، عوامله، طرق الكشف عنه، واستراتيجيات إدارة المخاطر يُعد أمراً بالغ الأهمية للنساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي للمرض.
يُقدم هذا المقال دليلاً شاملاً للنساء في السعودية حول سرطان الثدي الوراثي، أهمية الاستشارة الوراثية، خيارات الفحص المبكر المكثف، والتدابير الوقائية لتمكينهن من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهن.

فهم سرطان الثدي الوراثي: جينات المخاطر
يحدث سرطان الثدي الوراثي نتيجة لطفرات جينية تنتقل من جيل إلى جيل. تُعد جينات BRCA1 وBRCA2 الأكثر شيوعاً وارتباطاً بهذا النوع من السرطان، بالإضافة إلى جينات أخرى أقل شيوعاً.
جينات BRCA1 وBRCA2:
هذه الجينات تلعب دوراً طبيعياً في إصلاح تلف الحمض النووي (DNA) وتُساعد على منع نمو الخلايا السرطانية.
عندما تحدث طفرة في أحد هذه الجينات، تُصبح وظيفتها مُعطلة، مما يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بـ سرطان الثدي، وسرطان المبيض، وأنواع أخرى من السرطان.
خطر الإصابة:
النساء اللواتي يمتلكن طفرات في جيني BRCA1 أو BRCA2 يُواجهن خطراً مدى الحياة للإصابة بـ سرطان الثدي يُقدر بين 45% إلى 85%، وهو أعلى بكثير من الخطر في عموم السكان.
يزداد خطر الإصابة بـ سرطان المبيض أيضاً بشكل ملحوظ.

تحديد خطر سرطان الثدي الوراثي: متى يجب التفكير في الفحص الجيني؟
لا يُوصى بالفحص الجيني لجميع النساء، بل للحالات التي تُشير إلى وجود خطر مرتفع للإصابة بـ سرطان الثدي الوراثي بناءً على التاريخ العائلي.
مؤشرات تدل على الحاجة للفحص الجيني:
تُقدم هذه النقطة المعايير التي تُوجه الأطباء في السعودية لتحديد النساء الأكثر عرضة لخطر سرطان الثدي الوراثي.
تاريخ عائلي قوي لـ سرطان الثدي أو المبيض:
وجود اثنتين أو أكثر من قريبات الدرجة الأولى (أم، أخت، ابنة) أو الدرجة الثانية (جدة، عمة، خالة) أُصبن بـ سرطان الثدي قبل سن الخمسين.
وجود قريبة أُصيبت بـ سرطان الثدي في كلا الثديين (ثنائي الجانب).
وجود حالات سرطان ثدي بين الرجال في العائلة.
وجود قريبة أُصيبت بـ سرطان المبيض في أي عمر.
وجود حالات سرطان ثدي أو مبيض متعددة في نفس الجانب من العائلة.
التاريخ الشخصي:
التشخيص بـ سرطان الثدي قبل سن الخمسين.
التشخيص بـ سرطان الثدي ثلاثي السلبية (Triple-Negative Breast Cancer) في أي عمر.
الإصابة بـ سرطان الثدي في كلا الثديين.
الإصابة بـ سرطان الثدي وسرطان المبيض.
التاريخ العرقي: بعض المجموعات العرقية لديها معدلات أعلى من الطفرات الجينية، مثل اليهود الأشكناز.

الاستشارة الوراثية والفحص الجيني في السعودية: خطوات حاسمة
يُعد الحصول على الاستشارة الوراثية قبل وبعد الفحص الجيني أمراً بالغ الأهمية لتقديم معلومات دقيقة ودعم نفسي للمرأة.
خطوات الاستشارة والفحص الجيني:
الاستشارة الوراثية الأولية:
يُقابل أخصائي الوراثة المريضة ويُراجع تاريخها العائلي والشخصي بعناية.
يُقيم خطر وجود طفرة جينية ويُناقش الخيارات المتاحة، بما في ذلك إيجابيات وسلبيات الفحص الجيني.
يُشرح أخصائي الوراثة أنواع الجينات المُمكن فحصها، وكيفية تفسير النتائج.
الفحص الجيني:
يتم سحب عينة دم أو لعاب لإجراء تحليل الجينات.
تستغرق النتائج عادة عدة أسابيع.
نتائج الفحص الجيني:
نتيجة إيجابية: تعني وجود طفرة جينية تزيد من خطر الإصابة بـ سرطان الثدي. تُناقش هذه النتيجة بالتفصيل مع أخصائي الوراثة لوضع خطة لإدارة المخاطر.
نتيجة سلبية: تعني عدم وجود الطفرة التي تم البحث عنها. لا تلغي هذه النتيجة خطر الإصابة بسرطان الثدي بشكل كامل، لكنها تُشير إلى أن الخطر ليس وراثياً بهذا الجين.
متغير ذو أهمية غير مؤكدة (VUS): تعني وجود تغيير في الجين لا يُعرف حالياً ما إذا كان يُسبب المرض أم لا. قد تتطلب هذه النتيجة متابعة أو إعادة تقييم في المستقبل.
الاستشارة الوراثية بعد النتائج:
تُقدم المريضة معلومات حول النتائج، وتُناقش معها الخيارات المتاحة لإدارة المخاطر، والدعم النفسي.

إدارة المخاطر والوقاية من سرطان الثدي الوراثي: خيارات متعددة
بالنسبة للنساء اللواتي يُكتشف لديهن طفرة جينية تزيد من خطر الإصابة بـ سرطان الثدي الوراثي، تُوجد عدة استراتيجيات لإدارة هذا الخطر وتقليل احتمالية الإصابة.
استراتيجيات إدارة المخاطر:
تُقدم هذه الاستراتيجيات خيارات متعددة تُمكن النساء في السعودية من التحكم في خطر سرطان الثدي الوراثي.
المراقبة المكثفة:
تُوصى النساء الحاملات للطفرة بفحوصات دورية مكثفة تبدأ في سن مبكرة.
تشمل هذه الفحوصات: الفحص الذاتي الشهري للثدي، الفحص السريري المنتظم من قبل الطبيب، الماموجرام السنوي، والتصوير بالرنين المغناطيسي للثدي (MRI) السنوي، حيث يُعد MRI أكثر حساسية في الكشف عن السرطانات الصغيرة في الثدي كثيف النسيج أو لدى النساء الشابات.
الأدوية الوقائية (Chemoprevention):
يُمكن للأطباء وصف بعض الأدوية، مثل التاموكسيفين (Tamoxifen) أو مثبطات الأروماتاز (Aromatase Inhibitors)، لتقليل خطر الإصابة بـ سرطان الثدي.
تُناقش فوائد هذه الأدوية ومخاطرها المحتملة مع الطبيب.
الجراحة الوقائية (Risk-Reducing Surgery):
استئصال الثدي الوقائي (Prophylactic Mastectomy): تُعد هذه الجراحة، التي يتم فيها إزالة الثديين السليمين، الخيار الأكثر فعالية لتقليل خطر الإصابة بـ سرطان الثدي الوراثي، بنسبة تصل إلى 90% أو أكثر.
استئصال المبيض وقناتي فالوب الوقائي (Prophylactic Oophorectomy and Salpingectomy): تُساهم هذه الجراحة في تقليل خطر الإصابة بسرطان المبيض بشكل كبير، كما تُقلل أيضاً من خطر الإصابة بـ سرطان الثدي عن طريق إزالة مصدر إنتاج الهرمونات (الإستروجين).
تُعد هذه الخيارات جراحية كبيرة وتتطلب مناقشة متأنية مع فريق طبي متعدد التخصصات لتقييم الفوائد والمخاطر والتأثير على جودة الحياة.

عملية شد الثدي وسرطان الثدي الوراثي: هل من تأثير؟
تُثار العديد من التساؤلات حول العلاقة بين عمليات التجميل وسرطان الثدي، بما في ذلك الأنواع الوراثية. من المهم توضيح الحقائق العلمية في هذا السياق.
عملية شد الثدي وتأثيرها على سرطان الثدي الوراثي:
تُعد عملية شد الثدي (Mastopexy) إجراءً تجميلياً يهدف إلى رفع وشد الثدي المترهل عن طريق إزالة الجلد الزائد وإعادة تشكيل أنسجة الثدي المتبقية لتحسين شكله وموضعه.
هل تُسبب عملية شد الثدي سرطان الثدي الوراثي؟
لا، لا تُسبب عملية شد الثدي سرطان الثدي الوراثي أو أي نوع آخر من سرطان الثدي. لا تُوجد أي أدلة علمية مُثبتة تُشير إلى أن هذا الإجراء الجراحي يُزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
سرطان الثدي الوراثي ينشأ من طفرات جينية داخل الخلايا، وعملية شد الثدي هي إجراء جراحي يُغير من شكل الثدي ولا يُؤثر على الحمض النووي أو وظيفة الجينات.
هل تُؤثر على الكشف المبكر عن سرطان الثدي الوراثي؟
غالباً لا تُعيق بشكل كبير: بعد عملية شد الثدي، قد يُصبح الثدي أكثر صلابة أو قد تتغير كثافة بعض المناطق بسبب التندب الداخلي. هذا يُمكن أن يُشكل تحدياً بسيطاً لأخصائي الأشعة في تفسير صور الماموجرام أو MRI.
ومع ذلك، فإن التقنيات الحديثة للتصوير (مثل الماموجرام ثلاثي الأبعاد والرنين المغناطيسي) المتوفرة في المستشفيات السعودية، بالإضافة إلى خبرة أخصائيي الأشعة، تُمكن من فحص الثدي بفعالية حتى بعد عمليات التجميل.
الأهم هو إبلاغ طبيب الأشعة والجراح بأي جراحات سابقة في الثدي لضمان التفسير الصحيح للصور.
الخيارات التجميلية بعد الجراحة الوقائية:
النساء اللواتي يخترن استئصال الثدي الوقائي غالباً ما يُفكرن في إعادة بناء الثدي في نفس الوقت أو في مرحلة لاحقة. تُمكن أن تُجرى هذه الإعادة باستخدام زرعات الثدي أو باستخدام أنسجة من أجزاء أخرى من الجسم.
تُساهم هذه العمليات في استعادة الصورة الذاتية للمرأة، وهي تُعد جزءاً مهماً من الدعم النفسي بعد اتخاذ قرار صعب مثل الجراحة الوقائية.
نصيحة هامة: يجب على أي امرأة تُفكر في إجراء عملية شد الثدي، خاصة إذا كان لديها تاريخ عائلي لـ سرطان الثدي الوراثي، أن تُناقش هذا الأمر بشكل مفصل مع جراح تجميل مؤهل.
يُمكن للجراح أن يُقدم المشورة حول كيفية التخطيط للجراحة مع مراعاة بروتوكولات المراقبة والكشف المبكر، مع أهمية الاطلاع على تجارب عملية شد الثدي مثل الدكتور عبد العزيز أبا الخيل

الدعم النفسي والاجتماعي: جزء لا يتجزأ من إدارة المخاطر
تُعد معرفة وجود خطر وراثي للإصابة بـ سرطان الثدي أمراً مُقلقاً ويُمكن أن يُؤثر على الصحة النفسية للمرأة. يُعد الدعم النفسي والاجتماعي أمراً حيوياً في هذه الرحلة.
أشكال الدعم المتوفرة:
المشورة النفسية:
يُمكن لأخصائي الصحة النفسية أن يُساعد المرأة في التعامل مع القلق، الخوف، والضغوطات النفسية المرتبطة بـ سرطان الثدي الوراثي وخيارات إدارة المخاطر.
مجموعات الدعم:
الالتقاء بنساء أخريات يُواجهن نفس التحديات يُمكن أن يُوفر شعوراً بالانتماء والتفاهم، ويُساعد على تبادل الخبرات والنصائح.
دعم العائلة والأصدقاء:
شرح الوضع للعائلة والأصدقاء يُمكن أن يُوفر شبكة دعم قوية تُساعد المرأة في اتخاذ قراراتها والتعامل مع التحديات.
المنظمات والمؤسسات:
في السعودية، تُوجد بعض المنظمات والمؤسسات الصحية التي تُقدم معلومات، توعية، ودعم لمرضى سرطان الثدي وعائلاتهم.

خاتمة: تمكين النساء في السعودية لمواجهة سرطان الثدي الوراثي
يُشكل سرطان الثدي الوراثي جانباً معقداً من تحدي سرطان الثدي، ولكنه قابل للإدارة بفعالية من خلال الوعي، الكشف المبكر، والاستراتيجيات الوقائية.
في المملكة العربية السعودية، تُصبح أهمية الاستشارة والفحص الجيني أمراً محورياً لتمكين النساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي للمرض. من خلال المعرفة الدقيقة، اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إدارة المخاطر (سواء بالمراقبة المكثفة، الأدوية الوقائية، أو الجراحة الوقائية)، والبحث عن الدعم الشامل، يُمكن للنساء أن يُواجهن هذا التحدي بثقة وقوة.
ولا تُشكل عمليات التجميل، مثل عملية شد الثدي، خطراً بل تُقدم دعماً جمالياً ونفسياً مهماً، مُكملة لرحلة حماية الصحة والرفاهية الشاملة للمرأة.