سيو فنون

تُعد كأس الأمم الإفريقية أكثر من مجرد بطولة قارية. فهي الحدث الذي يوحّد الشعوب، ويشعل شغف الجماهير، ويمنح المنتخبات الفرصة لكتابة التاريخ على العشب الأخضر. منذ انطلاقتها في عام 1957، باتت هذه البطولة مرآةً لتطور كرة القدم الإفريقية، ومسرحًا لظهور النجوم الذين سطعوا لاحقًا في سماء الكرة العالمية.

تاريخ حافل وعراقة قارية
انطلقت النسخة الأولى من كأس أمم إفريقيا في السودان بمشاركة 3 منتخبات فقط: مصر، السودان، وإثيوبيا. ومنذ ذلك الحين، توسعت البطولة لتضم اليوم 24 منتخبًا يمثلون مختلف أرجاء القارة، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.

وقد توجت منتخبات مثل مصر، الكاميرون، وغانا بالبطولة في أكثر من مناسبة، لتُكرّس نفسها كقوى تقليدية في كرة القدم الإفريقية. كما شهدت البطولة بروز قوى جديدة مثل السنغال والجزائر ونيجيريا، ما جعل المنافسة أكثر شراسة وندية.

مصر.. سيد إفريقيا المتوج
تتربع مصر على عرش القارة كأكثر المنتخبات تتويجًا بكأس أمم إفريقيا، حيث رفعت الكأس 7 مرات، منها ثلاثية تاريخية متتالية في 2006 و2008 و2010 بقيادة المدرب حسن شحاتة. ويُعد المنتخب المصري مثالًا على الاستمرارية والعراقة في البطولة، رغم غياب التتويج في النسخ الأخيرة.

تطور البطولة: من التحديات إلى العالمية
شهدت البطولة تطورًا لافتًا، من حيث التنظيم والمستوى الفني. وأصبحت تُقام الآن كل سنتين بمشاركة 24 منتخبًا، ما زاد من حجم المنافسة وأعطى الفرصة للعديد من المنتخبات الصاعدة لإثبات ذاتها.

كما ساهم نقل البطولة إلى شهري يناير وفبراير – رغم ما يسببه من تحديات للأندية الأوروبية – في إبراز الطابع الإفريقي الخاص للبطولة، من أجواء حماسية، وهتافات جماهيرية، وألوان تمثل التنوع الثقافي في القارة.

كأس أمم إفريقيا 2023 في كوت ديفوار: نسخة من نار
أقيمت النسخة الأخيرة من البطولة في ساحل العاج (كوت ديفوار) عام 2023، وسط ترقب كبير من الجماهير، لا سيما في ظل مشاركة نجوم كبار مثل محمد صلاح، وساديو ماني، ورياض محرز، وفيكتور أوسيمين.

وقد شهدت البطولة مستويات فنية عالية، ومفاجآت عديدة، من أبرزها خروج منتخبات كبيرة مبكرًا، وتأهل فرق مغمورة إلى أدوار متقدمة. أما النهائي، فكان مثيرًا بكل المقاييس، وانتهى بتتويج منتخب ساحل العاج على أرضه بعد مشوار درامي، أكد من جديد أن البطولة لا تعترف بالأسماء، بل بالعزيمة والإصرار.

أكثر من كرة قدم: البطولة توحّد الشعوب
ما يميز كأس أمم إفريقيا أنها ليست مجرد مباريات كرة قدم، بل حدث ثقافي واجتماعي وسياسي. فالمنتخبات تمثل أكثر من مجرد أندية، إنها تمثل هويات وطنية، وتوحّد الجماهير تحت علم واحد. وتتحول مباريات البطولة إلى مهرجانات حقيقية في الشوارع والمقاهي، تُبث فيها الروح الوطنية وتُرسم فيها مشاعر الفخر والانتماء.

المستقبل: هل تقترب إفريقيا من العالمية؟
مع تزايد عدد اللاعبين الأفارقة المحترفين في أوروبا، وتحسن البنية التحتية، ودخول شركات رعاية عالمية، يبدو أن بطولة أمم إفريقيا تسير نحو العالمية. وأصبح من الممكن قريبًا أن نرى منتخبات إفريقية تصل إلى أدوار متقدمة في كأس العالم، كما فعلت المغرب في مونديال 2022.

الطريق لا يزال طويلًا، لكنه واعد. وكأس أمم إفريقيا تظل المحطة الأهم التي تصقل المنتخبات وتكشف النجوم وتمنح الأمل لقارة تبحث دائمًا عن المجد الكروي.